رأيتها
رأيتها هناك في مديرية البريد تقود زوجها الأعمى وتدور به على الأقسام لتنهي له بعض المعاملات , كانت في قمة الذوق والاحترام والخلق والرزانة إذا أرادت أن تسأله عن شيء حنت عليه بأدب وهمست في أذنه بذوق ليجيبها هو بنفس الطريقة بحيث لا يسمع حوارهما أحد مهما كان قريبا منهما وكأن لهما لغة خاصة بهما لايعيها سواهما, لغة حروفها الهمس وكلماتها الاحترام وعباراتها المودة والوفاء .
ورأيته إذا جلس يستريح ثم وقف استدار إلى جهة يمينه ينتظرها وهي بدورها تأخذ بيده بطريقة راقية لا تريد لأحد أن يشعر من خلالها أنها تقود أعمى .
ورأيتها في كل مرحلة من مراحل إجراءات المعاملة تأخذ به جانبا وتشرح له أين وصلت معاملتهما وأين سيذهبان الآن وما عليهما فعله ليقف هو أمام الموظف المسئول ويتكلم لا هي وكأنه البصير العارف بكل شيء لا هي .
رأيتها عينيه ورأيته زوجها ولسانها ورجلها .
رأيتهما كبيرين في السن وكأن للود والألفة والحب والاحترام تاريخ عريق بينهما وجذور متأصلة في نفسيهما فليحفظهما ربي ويرعاهما .
استوقفني أدب وذوق تلك المرأة في حين امرأة أخرى جاءت مع زوجها تتقدمه وتتحدث بدلا منه إلى الموظفين متجاهلة لوجوده وكأنه أخرس وما هو بأخرس وتكلمه بغضب وبصوت عال يلفت إليها الأنظار فشتان شتان والله وإن الذوق والأدب والخلق من الدين وإنهم إن استأصلوا في النفس أضفوا لمسات من الجمال والروعة على كل شيء فيها بل حتى على طريقة المشي والكلام والحوار , فما أروع الخلق الذي هو قوام ديننا و ما أروع الذوق والوفاء والاحترام بين الناس عامة وبين الأزواج خاصة .